لم يسعفني سوى قلمي هذا ماكتبه محمد في نهاية مذكرت
محمد شابٌ في الثامنة عشرة من عمره يحب الكتابة فقلمه هو الصديق الحميم الذي يفهمه فلدى محمد طفولة مؤلمة رافقته ندوبها دائماً
في مدينة إدلب 2019/4/10 الموافق ليوم الجمعة
يرتدي ثيابه ثم يسرح شعره الأسود الكثيف تنظر إليه والدته بحب قائلة حماك الله ياصاحب العيون العسلية
يطلب محمد الرضا منها متجهاً نحو المسجد لتأدية صلاة الجمعة كان محمد طفلاً خلوقاً من الأطفال الهادئين وكان أيضاً شغوفاً بالكتابة من صغره ويحلم بأن يصبح كاتباً مميزاً
وعند عودته تم استهداف حيهم من قبل طائرات النظام المجرم
نُقل محمد للمستشفى
ولحقت به عائلته ووقفوا يبكون بحرقة
خرج الطبيب وأطرق رأسه قائلاً
لقد فقد ابنك إحدى عينيه يا أبا محمد
ماذا تقول أيها الطبيب!!
يؤسفني ما أقوله ولكن إحدى الشظايا اخترقت عين ابنك
يجب أن نبدأ في عمليه لبقايا العين
قالها الطبيب ومضى مسرعاً
انفطر قلب الأم بكاءً
احتضن أبو محمد زوجته محاولاً تسكين ألمها
وبعد إجراء أكثر من عملية لمحمد استقر وضعه واستيقظ من المخدر وكانت أول كلمة نطق بها أمي أين عيني لم تستطع والدته الكلام اكتفت بضمه وأجهشت بالبكاء ووقف الأب عاجزاً عن فعل أي شيء
لم يتوفر العلاج المخصص لمحمد في المدينة حينها قررت عائلته السفر به إلى تركيا علهم يجدون العلاج اللازم
وبعد وصولهم بدأت رحلة علاج محمد وبعد إجراء أكثر من عملية وعودة محمد لحياته بدأت مشاكله النفسية وساءت حالته
سألت أمه الطبيب يوماً والدموع في عينها ألا أستطيع التبرع بعيني لإبني أرجوك أيها الطبيب خذ عيني وضعها لإبني
آسف يا سيدة ولكن هذا الأمر غير ممكن ولكن إن أردتِ يمكننا إجراء عملية تجميلية بوضع عين بلورية له
ولكنها مكلفة جداً وفوق استطاعتكم
امتلأ قلب الأم حسرةً وألماً
وأما محمد فلقد تغير كثيراً أصبح منعزلاً بعيداً عن أي تجمعات بسبب خجله من أن يراه أحد وكان كلما حاول الكتابة وجد صعوبة في ذلك فمزق الورقة واستلقى باكياً إلى أن ينام
ظل ما يقارب السنة بدون دراسة كان يذهب مع عائلته أحياناً إلى الحديقة
ولكنه سرعان ما يرى الأطفال ينظرون إليه بخوف يقف باكياً
يشعر نفسه غريباً لكل من ينظر إليه فهم لا يعرفون معنى الإصابةِ والشعور بالنقص
عاد محمد لصديقه القلم وهذا كان من أكثر الأشياء التي حسنت نفسيته
كان يكتب كل يوم عن معاناته والمواقف التي يمر بها خلال يومه
وبعد إقناع وافق أن يكمل دراسته
مر الأسبوع الأول بالغة
وأما عن طباعه فلقد تغيرت كثيراً
ولم يعد محباً للحياة
مرت السنين وأصبح من المفترض أن يعمل محمد ليعين في مصاريف المنزل فوالده كان عاملاً وظروف الحياة تزداد سوءاً وكان محمد قد انهى دراسته الثانوية ولم يكن يفكر بالالتحاق في الجامعة لكثرة مصاريفها
بدأ محمد في البحث عن عمل
كان يجيد العمل على الحاسوب جيداً
وبعد بحثٍ طال ليومين
اتصل صديق له من المدرسة
مرحبا محمد كيف الحال
أهلاً عمر الحمد لله
كيف حالك أنت
بخير وعندي لك خبر سارٌ بخصوص عملك
أحقاً!!
نعم يا محمد والد صديق لي يعمل في شركة مهمة وقد طلب مدير الشركة موظفين للعمل على الحاسوب فأخبرته عنك
نهض محمد بحماس فهو سيعمل لأول مرة في حياته
ذهبا معاً لتلك الشركة
تعرّف مدير الشركة على محمد ووافق بعد مارأى مهاراته على الحاسوب وبدأ محمد في اليوم الثاني عمله وبعد أسبوعٍ من العمل جاء إلى الشركة رجل تركي الجنسية وبجانبه طفله الصغير وسرعان ما نظر الطفل لمحمد شهق بخوف هز أعماق محمد ولكنه حافظ على هدوءه لكن الأمر ازداد سوءاً عندما بدأ الطفل بالبكاء ثم صرخ على محمد غاضباً
أتى المدير مسرعاً من أغضبك ياسيد أشار إلى محمد قائلا كيف توظف أشخاصاً معاقين في شركتك
كان محمد قد تعلم اللغة التركية وفهم كل الحديث
ساءت حالته فغادر الشركة
مكسور الخاطر ظل يركض إلى أن وصل لشاطئ البحر ودخل في نوبة عصبية كانت تأتيه من فترة لأخرى لم يصحو منها إلا وهو في المشفى
حل المساء ولم يأتِ محمد بدأ أبوه بالبحث عنه بعد أن اتصل بالشركة وقالو له أن محمد غادر مبكراً
وعندما لم يتمكن من الوصول إليه
قرر أن يسأل في المشافي
ووجده أخيراً احتضنه أمه بهلع
أخفتنا ياحبيبي أين كنت وماذا حصل معك
أنا بخير ياأمي لاتقلقي
لقد تعبت قليلاً بينما كنت بجانب الشاطئ فنقلني بعض المارة إلى المشفى
ثم عادوا للبيت جميعاً
ترك محمد عمله
وانعزل لعدة أيام
ثم زاره صديقه يعتذر عن ما حصل
آسف يامحمد لم أكن في المدينة في الأيام الماضية لذلك لم استطع المجيئ للاطمئنان عليك ولكن والد صديقي أخبرني بما حصل أنا حقاً آسف
لاتعتذر ياعمر
ربما ليس مكتوبّ لي أن أعمل
لاتكن متشائماً يامحمد
والآن اسمح لي بالمغادرة فلدي بعض الأعمال
ولكن اخرج من المنزل فالطبيعة تخفف عن نفسك كثيراً
حسناً سأخرج ياعمر
وبعد العصر خرج محمد للجلوس بقرب الشاطئ ومعه دفتره
بدأ يكتب وهو يتأمل البحر ووصف المشهد وصفاً جميلاً وبينما هو يكتب جلس بجانبه رجلٌ في الخمسينات من عمره كان مبتور اليد لم يكترث محمد للرجل وتابع الكتابة راقبه الرجل لبضع دقائق ثم خاطبه
أراك تكتب بشغف أيها الوسيم
دهش محمد لكلمة وسيم فهو لم يعتد سماعها من الغرباء
شكراً ياعم نعم فأنا أحب الكتابة جداً
هذا شيئ جميلٌ
القليل من الشباب يهتمون بالكتابة في زمننا
نعم ياعم ولكنني منذ صغري كنت أحلم بأن أصبح كاتباً
ولكن حلمي لن يتحقق
لن يتحقق!! لماذا
ألا ترى أنني بعين واحدة
فأنا بالكاد أكتب مذكراتي ويومياتي فكيف سأكتب روايات
أنت تستطيع أيها الوسيم فمعَ الإرادة لامستحيل
سأهديك كتاباً كنت قد ألفته في بداية الثلاثينات فأنا مثلك كان حلمي أن أصبح كاتباً معروفاً
وحققت ماحلمت به وأصبحت كتبي تباع في كل مكان
دهش محمد فالرجل بيدٍ واحدة
وأعجب بإرادته القوية
قدم له الكتاب وقال أراك في الغد إن شاءالله
عاد محمد لمنزله وبدأ بقراءة الكتاب
ونال إعجابه
وفي اليوم التالي عاد للشاطئ فوجد العم بانتظاره
مرحبا ياعم شكراً لك على هذا الكتاب الرائع
لم أعرف اسمك أيها الوسيم
أنا محمد ياعم
ما رأيك يامحمد أن تعرض كتاباتك وخواطرك في دار النشر أنا متأكد بأنهم سيعجبون بها
لم أفكر بذلك من قبل
وأظن أنها لن تعجبهم
بل إنها ستعجبهم. لأنه من يكتب مثلك بحب وشغف
سيكون قلمه مميزاً
هذا عنوان صديق لي في دار النشر تواصل معه وهو سيزودك بكل التفاصيل
ثم ذهب
ظل محمد يفكر حائراً
في دار النشر أحقاً سيعحبهم ماكتبت
منعته قلة ثقته بالذهاب
ولكن الفكرة بقيت في باله وبعد يومين قرر الذهاب للعنوان وأخذ بعضاً من مذكراته
وعند وصوله رأى الرجل المطلوب كان لدى الرجل علم بمحمد
أهلاً محمد إنني انتظرك منذ يومين
شكراً لك في الواقع كنت متردداً في المجيئ
جيد أنك جئت لقد مدح لي أستاذ أحمد كتاباتك وأنا أثق برأيه
تعجب محمد فالعم لم يقرأ حتى كلمة واحدة مما كتب
أخذ الرجل طبعة عن كتاباته
حسناً تعال في الغد لكي تعرف جواب حكام دار النشر
وفي اليوم التالي ذهب محمد للدار
مرحباً
أنا محمد هل تذكرتني
أهلاً بكاتبنا الجديد
نظرَ متعجباً
نعم يامحمد لقد أعجبت الإدارة
بما كتبت وطلبوا لقاءك
توتر محمد وفرح بنفس الوقت فلم يكن يتوقع ماحصل أبداً
وبعد حديثه معهم أخبروه أنهم معجبون جداً بما كتب
وأنه يملك إحساساً صادقاً
وطلبو منه أن يكتب لهم كل أسبوع
وأعطوه أجر ماقدمه لهم
عاد فَرِحاً لمنزله
أمي أمي
ماذا هناك ياحبيبي
لقد بعتُ كتاباتي في دار النشر
لم أكن أتوقع أنهم سيعجبون بها لهذه الدرجة
وطلبو مني أن أكتب لهم كل أسبوع
تعال لأحتضنك ياولدي كنت واثقة أنك ستعود للسعي لحلمك الذي تحب
أصبح محمد يكتب بحماس كبير كل أسبوع ويقدم ماكتبه للدار
حتى أن اسمه انتشر بين العامة
وأحب الناس كتاباته جداً
فهي واقعية ومؤثرة
وبعد مدة استقيظ محمد على خبر مبهج
صباح الخير أستاذ محمد
لقد اندرج اسمك بقائمة الفائزين
تفضل لااستلام جائزتك
امتلأت عيناه بدموع الفرح وشعر بالإنجاز فعلاً
اتجه لدار النشر برفقة والده
تفضل أستاذ محمد أهلاً بك كنت من الفائزين لهذا العام بأكثر الكتابات مبيعاً فلقد أثارت موهبتك إعجاب الناس بشدة
والكثير يود منك أن تكتب القصص
إن شاء الله في الأيام القادمة سأعمل عليها
وفي وقت تسليم الجائزة كان محمد متوتراً فهناك الكثير من الناس
بدأت الناس بإلقاء التحية عليه
وتم تسليمه الجائزة التي كانت مبلغاً كبيراً من المال
أخذ الكثير من الناس صوراً مع محمد مما زاد فخره بنفسه
ومنذ ذلك اليوم لم يسمح محمد لوالده بالعمل وقرر إكمال جامعته بعد إجراء عملية لعينه
فهو أصبح قادراً على جني المال
وبعد إجرائه لتلك العملية
أحب نفسه فيها كثيراً
وقرر أن يرى الأشياء بقلبه لا بعينه
ثم بدأ دراسة الأدب العربي لكي يتطور في الكتابة
وأصبح يردد دائماً
مع الإرادة لامستحيل
الكاتبة: فاطمة حساوي