في الأراضي البعيدة، بين الحقول الخضراء، في قريةٍ صغيرة هادئة كانت هناك فتاة في السادسة عشرة من عمرها تدعى أمل، كانت مفعمةً بالحياة ومحبوبةً، تحب الخير للجميع، لديها شغفٌ كبيرٌ بالرسم؛ منذ صغرها قد وجدتْ بالرسم عالمًا خاصًّا بها تعبر من خلاله عن حياتها ومشاعرها التي لاتستطيع البوح بها لأحد…
كانت أمل تقول «لوحاتي ليست لي وحدي إنها مرآةٌ لمَن يبحث عن نور في عتمته».
في أحد الايام بينما كانت أمل جالسة على العشب تتأمل السماءَ الزرقاء شعرتْ بألمٍ في جسدها وتعبٍ غير معتاد، تجاهلت الأمر وبدأت تقول في نفسها: إنه تعب سيزول مع مرور الوقت… لكن و يومًا بعد يوم تغير كلُّ شيء، الآلام بدأت تعصفُ بجسدها الهزيل. ذهبت أمل مع عائلتها إلى الطبيب لإجراء بعض الفحوصات لكن النتيجة كانت صادمة، قال الطبيب: مع الأسف ابنتكم تعاني من مرض خطير…
بعد سماع أمل كلام الطبيب شعرت بأن الحياة قد سَرقتْ منها أحلامها، أصبحت حياتها مظلمةً، جلستْ في زاوية غرفتها تنظر إلى لوحاتها القديمة والدموع تنهمرُ من عينيها تتسائل قائلة: هل سأستطيع الرسم من جديد؟! ومن هنا شعرت أنَّ شيئًا ما في داخلها يقول لها: لا تيأسي حتى في أحلك الليالي هناك شعاعٌ صغير من النور ينتظر أن يُكتَشف، لذلك الأمل ليس غائباً إنه فقط يختبي خلف غيمة من الألم يحتاج إلى مَن يرسمه ليظهر». في ليلةٍ باردة كانت أمل تبكي وحدها في غرفتها، اقتربت والدتها واحتضنتها وقالت بصوتٍ دافي: «ابنتي» أعلم أن ألمك كبيرٌ لكن لاتدعيه يحطم أحلامك، القوة الحقيقية ليست في الانتصار على الألم، بل تحويله إلى شيء جميل؛ تأثرتْ أمل بما سمعته، وفي صباح اليوم التالي قررتْ أن تتابع حلمها وبدأت ترسم من جديد، عندها أدركت أنَّ الألم مجردُ لون يمكنها استخدامه لإبداع الجمال، من جديد شعرت أنّ روحها تستعيد ولو جزءًا صغيراً من بريقها. بدأت ترسم لوحات تعبر عن المشاعر التي بداخلها، حاولت رسم أكثر الأشياء المعبرة، وبينما كانت تجلس في غرفتها أرسلت لها صديقتُها نجوى رابط منشور لمسابقة رسم، بدأت نجوى إقناع أمل أن تشارك، في البداية كانت أمل مترددة ومع محاولات صديقتها وكذلك عائلتها قررت أخيرًا المشاركة.
بدأت أمل العمل على لوحتها التي تعكسُ مشاعرها؛ رسمت زهرةً وحيدة تقف وسط صحراء قاحلة، ورغم الجفاف حولها كانت الزهرةُ تنبضُ بالحياة، عندما أكملت أمل اللوحة شعرت وكأنها وضعت جزءًا من روحها فيها، عندما رأت صديقتها نجوى اللوحة تأثرت بشدة وقالت: هذه ليست مجرد لوحة؛ إنها رسالة قوية يجبُ أن يراها الناس… بعد أسابيع قليلة ظهرتْ نتائج المسابقة، لقد حققتْ أمل المركز الأول بجدارة، كانت هذه نقطة تحول في حياة أمل، لم تتوقع أنّ لوحتها ستُحدث هذا التأثير الكبير، بدأتْ تصلها رسائل من غرباء يخبروها بأنّ أعمالها ألهمتهم وأنهم وجدوا فيها شعاعًا من الأمل.
شعرتْ لأول مرة منذ مرضها أنَّ للحياة معنىً جديدًا، ولكن مع مرور الوقت بدأ المرض يؤثر على أمل بشكل أكبر، لكنها رفضت الاستسلام، وبينما كانت تجلس في غرفتها في أحد الأيام وصلت إليها رسالة من طفلة صغيرة تدعى مريم، كانت مريم تعاني من نفس المرض، وكتبت في رسالتها: «صديقتي أمل لوحاتك جعلتني أؤمن أنني أستطيع أن أحلمَ مجدداً، شكراً لأنك أضأتِ عالمي… ابتسمت أمل وعيناها تمتلآن بالدموع، أدركت أنّ الفنّ الذي وهبها الله إياه لم يكن مجرد لوحة، بل حياة جديدة تبعث الأمل بإذن الله في قلوب الآخرين، وقالت لنفسها: رأيت في عيون من أحبوني الأمل الذي لم أكن أراه بنفسي، لم أكن أملك القوة لأحارب المرض بجسدي فقررتُ أن أحاربه بروحي».
رغم أن مرض أمل استمر في التأثير على جسدها إلا أنّ روحها بقيت قوية كزهرتها التي لا تذبل.
بعد مرور الوقت توفيت أمل وتركت وراءها إرثاً من الأمل والإلهام لكل مَن عرفها أو شاهد لوحاتها.
وفي النهاية لم تكن قصة أمل عن مرضها أو معاناتها، بل عن إرادة لا تعرف المستحيل وألوان رفضت أن تخفت وأحلام تزهر حتى في أصعب الظروف… الحياة قد تكون مليئة بالألم لكنها دائماً تحمل فرصة لنترك فيها بصمة لاتُنسى…